دراما تلفزيونية تطرد مشاهديها !!
كتابات - راسم منصور
كنتُ قد أتخذت قرارا نهائياً بعدم الكتابة عن الدراما العراقية والتي تزدهر نتاجاتها في رمضان من كل عام. وذالك لأسباب عديدة، ولعل من اهمها : هو ماتعرضت له العام الماضي من مواجهات وصدامات كبيرة مع أصدقاء وزملاء لهم في قلبي مكانه واحترام كبير. والسبب الأخر ربما هو (برغماتي)مرتبط بفرص العمل التي خسرتها في الكثير من القنوات الفضائية التي هي من تقود عملية الانتاج الدرامي في العراق، والتي في الغالب منها تعتبر النقد والتقيم بمثابة الأنتقاص منها ومن نتاجاتها و لكون أغلب القنوات القضائية العراقية تؤمن بمبدء (من ليس معي في كل شيء فهو ضدي في كل شيء).
لكني هذه المرة وفي مقالي المتواضع هذا سأتناول أشياء عمومية ،أعتقدها لن تقودني الى (خسارات ) أضافية وربما تكون أقل وطئه من النقد الخاص للأعمال بمسمياتها.
أمتازت الدراما العراقية عموما هذا العام بقدرة كبيرة على جعل المشاهد العراقي يهرب من هذه الأعمال نحو نتاجات اخرى عربية ،وهذا الأمر هو ما اريد التوقف عنده،لانه أفراز خطير قد يؤدي الى فقدان الثقة بالكامل مابين (المرسل والمتلقي) بمعنى العمل الدرامي والمشاهد، وبالتالي تتحول الاعمال الدرامية العراقية الى نتاجات تفقد تأثيرها ومتعتها الفكرية والجمالية وأهدافها الأجتماعية التي انتجت من أجلها، وتفقد ايضا لغة التواصل مع المجتمع العراقي .
والمتتبع الدقيق لما تم انتاجه هذا العام من دراما تلفزيونية عراقية يخلص الى ان الدراما العراقية لهذا العام وقعت بالهفوات التالية :
1 – أعادة انتاج الخطاب السياسي اليومي والدارج بأساليب وصيغ لاترتقي لواقعية وأنية وبيئة هذا الخطاب او الفعل السياسي،وبالتالي سقطت هذه الأعمال في فخ (أعادة أنتاج المنتج سابقا)، ولم تحاول هذه الدراما أعادة ذالك المنتج بصيغ فيها شيء من المتعة الفكرية او الجمالية على اقل تقدير من أجل ترك اثر في نفس من يشاهدها والهروب بالمشاهد العراقي من (أكتئابه) الدائم نتيجة هذا الخطاب المباشر والذي أصابة الملل من كثرت سماعها عبر نشرات الاخبار المتداولة.
2- اتبعت بعض الأعمال الدرامية التي سنحت لي الفرصة في مشاهدتها على (التلفيق الدرامي) وليس (الخطاب الدرامي) لقضايا مازالت ساخنه ومطروحة على الساحة العراقية والجدل مازل مستمراً حولها،حتى وأن سلمنا بأهميتها ولكن علينا أن نسلم كذالك بأهمية رأي من يعارضها ، لكي تكون هناك ثقة ومصداقية تمنحها هذة الأعمال لمشاهديها من اجل التفاعل معها والاستمرار، وحتى هذا التلفيق لم يكن مبني على قاعدة (الأيهام الدرامي ) الذي له عناصره المتعارف عليها ، بل جاء تلفيقاً خطابياً يسير بخط متوازي مع الخطاب السياسي الذي يثير أشمئزاز المتلقي العراقي الباحث عن متعة درامية تمنحة فرصة للتأمل والأستنتاج .
3 – اعتمدت بعض الاعمال الدرامية على تناول اسماء مؤثرة في المجتمع العراقي (فنية وسياسية واجتماعية) وحاولت أن تدنسها بأجندات وخطابات ويقين سياسي معين لخدمة اهداف لم تعد تنطلي على المشاهد العراقي المتنور، حتى أنها لم تكتفي بذالك، بل عمدت الى تشويهها من خلال اسناد الأدوار الى ممثلين لايتوائمون (جسديا ولا حسيا ولاحتى وجدنيا) مع هذه الشخصيات مما يؤثر على الصورة الناصعة والجميلة لهذه الشخصيات في الذاكرة الجمعية العراقية ،بغض النظر عن وجهات النظر والاختلافات بشأن هذه الشخصيات.
4 – اعتمدت هذه الدراما على فوضى الخطاب والحوار والافكار وفوضى البيئة وفوضى التنظيم ، ناهيك عن تشتت الفهم وتبعثر الثيم والأفكار التي انتجت لأجلها هذه الأعمال ، وبروز ظاهرة الأنتقاص او الأسائه او التقليل من شأن الوطن ككيان يمثل أعداد من البشر والمؤسسات والكيانات المختلفة ، ولعل هذا الشأن من أكثر الظواهر أيلاماً في الدراما العراقية لهذا العام، وهي ظاهر أنفردت بها الدراما العراقية عن بقية دول المنطقة، فالمتعارف علية الدراما هي من تبشر بسلوك المجتمعات وتعطي الأنطباع عن تاريخها وعن تطورها ،وتعمد أحيانا الدراما الى التغاضي عن القبحح او تجميلة من أجل أبهاج النفس ومن أجل الأمانه الجمالية التي هي من أولويات اي مختص في فن الدراما.
5- تقنياً وفنياً الأمر محزن حقاً، فالأخراج عموماً بحاجة الى أعادة نظر، بالرغم من الاستعانه بمخرجين عرب احيانا، واخرين من العراق،ولكنهم جميعا سقطوا في فخ (مدير التصوير) السوري الذي لايفوت على من يشاهد هذه الدراما أنه هو من يقود السفينه وليس المخرج. حيث الكوادار التي تصلح( للكليبات الرخيصة) وليس لدراما تلفزيونية فيها أنفعالات نفسية وفيها أحداث درامية تتطلب عمقا جماليا وفلسفة أخراجية تساهم في جذب المشاهد نحو العمل الدرامي وليس العكس وتعطي أجواء من الأقناع والصدقية التي يجب أن تغرسها مشاهد العمل الدرامي في نفس وصدر المُشاهد كي يستمر معها ويتقبلها..
6- التمثيل وهنا (تكمن العلةُ).. لا أدري لماذا يعتقد البعض أن التمثيل هو الصراخ الدائم والتحدث دون فهم معنى مايقول وتبنيه؟! و يعتقد أن التمثيل للدراما يحتمل التزيف والمغامرة الغير محسوبة؟ و مازل البعض يعتقد أن التمثيل هو فن العاطلين عن العمل؟ وهو لعبة الصدئَين ممن يتذكرون بعد مرور السنين أنهم تخرجوا من كلية او معهد الفنون الجميلة لضرورات وقتية وجاءو ليمثلوا وهم لايتذكرون من فن التمثيل سوى الاسم فقط ؟ وهل اصبح التمثيل هو لعبة السهرات الليلية ولعبة ارضاء هذا وذاك من أجل اشياء رخيصة؟!! ولماذا يعتقد البعض ان المواطن العراقي البسيط مازال جاهلا ولايعي من هو ممثل حقيقي ومن الذي يُهين نفسه؟ وهنا طبعا أذا أستثنينا بعض الطاقات الجيدة وهي شحيحة جدا .
ان فن الدراما هو (سلطة ثقافية) مهدورة لدينا، كون الدراما لدينا تهتم بالمضمون (الخطاب السياسي الساذج) وتتخلى عن الطريقة التي يعبر فيها النص الدرامي عن مضمونه ومغزاه واهدافة ،والتي هي حسب اعتقادي اهم وسيلة لصنع سيطرة تفاعلية على المجتمع الذي تنتج له هذه الدراما.
كتابات - راسم منصور
كنتُ قد أتخذت قرارا نهائياً بعدم الكتابة عن الدراما العراقية والتي تزدهر نتاجاتها في رمضان من كل عام. وذالك لأسباب عديدة، ولعل من اهمها : هو ماتعرضت له العام الماضي من مواجهات وصدامات كبيرة مع أصدقاء وزملاء لهم في قلبي مكانه واحترام كبير. والسبب الأخر ربما هو (برغماتي)مرتبط بفرص العمل التي خسرتها في الكثير من القنوات الفضائية التي هي من تقود عملية الانتاج الدرامي في العراق، والتي في الغالب منها تعتبر النقد والتقيم بمثابة الأنتقاص منها ومن نتاجاتها و لكون أغلب القنوات القضائية العراقية تؤمن بمبدء (من ليس معي في كل شيء فهو ضدي في كل شيء).
لكني هذه المرة وفي مقالي المتواضع هذا سأتناول أشياء عمومية ،أعتقدها لن تقودني الى (خسارات ) أضافية وربما تكون أقل وطئه من النقد الخاص للأعمال بمسمياتها.
أمتازت الدراما العراقية عموما هذا العام بقدرة كبيرة على جعل المشاهد العراقي يهرب من هذه الأعمال نحو نتاجات اخرى عربية ،وهذا الأمر هو ما اريد التوقف عنده،لانه أفراز خطير قد يؤدي الى فقدان الثقة بالكامل مابين (المرسل والمتلقي) بمعنى العمل الدرامي والمشاهد، وبالتالي تتحول الاعمال الدرامية العراقية الى نتاجات تفقد تأثيرها ومتعتها الفكرية والجمالية وأهدافها الأجتماعية التي انتجت من أجلها، وتفقد ايضا لغة التواصل مع المجتمع العراقي .
والمتتبع الدقيق لما تم انتاجه هذا العام من دراما تلفزيونية عراقية يخلص الى ان الدراما العراقية لهذا العام وقعت بالهفوات التالية :
1 – أعادة انتاج الخطاب السياسي اليومي والدارج بأساليب وصيغ لاترتقي لواقعية وأنية وبيئة هذا الخطاب او الفعل السياسي،وبالتالي سقطت هذه الأعمال في فخ (أعادة أنتاج المنتج سابقا)، ولم تحاول هذه الدراما أعادة ذالك المنتج بصيغ فيها شيء من المتعة الفكرية او الجمالية على اقل تقدير من أجل ترك اثر في نفس من يشاهدها والهروب بالمشاهد العراقي من (أكتئابه) الدائم نتيجة هذا الخطاب المباشر والذي أصابة الملل من كثرت سماعها عبر نشرات الاخبار المتداولة.
2- اتبعت بعض الأعمال الدرامية التي سنحت لي الفرصة في مشاهدتها على (التلفيق الدرامي) وليس (الخطاب الدرامي) لقضايا مازالت ساخنه ومطروحة على الساحة العراقية والجدل مازل مستمراً حولها،حتى وأن سلمنا بأهميتها ولكن علينا أن نسلم كذالك بأهمية رأي من يعارضها ، لكي تكون هناك ثقة ومصداقية تمنحها هذة الأعمال لمشاهديها من اجل التفاعل معها والاستمرار، وحتى هذا التلفيق لم يكن مبني على قاعدة (الأيهام الدرامي ) الذي له عناصره المتعارف عليها ، بل جاء تلفيقاً خطابياً يسير بخط متوازي مع الخطاب السياسي الذي يثير أشمئزاز المتلقي العراقي الباحث عن متعة درامية تمنحة فرصة للتأمل والأستنتاج .
3 – اعتمدت بعض الاعمال الدرامية على تناول اسماء مؤثرة في المجتمع العراقي (فنية وسياسية واجتماعية) وحاولت أن تدنسها بأجندات وخطابات ويقين سياسي معين لخدمة اهداف لم تعد تنطلي على المشاهد العراقي المتنور، حتى أنها لم تكتفي بذالك، بل عمدت الى تشويهها من خلال اسناد الأدوار الى ممثلين لايتوائمون (جسديا ولا حسيا ولاحتى وجدنيا) مع هذه الشخصيات مما يؤثر على الصورة الناصعة والجميلة لهذه الشخصيات في الذاكرة الجمعية العراقية ،بغض النظر عن وجهات النظر والاختلافات بشأن هذه الشخصيات.
4 – اعتمدت هذه الدراما على فوضى الخطاب والحوار والافكار وفوضى البيئة وفوضى التنظيم ، ناهيك عن تشتت الفهم وتبعثر الثيم والأفكار التي انتجت لأجلها هذه الأعمال ، وبروز ظاهرة الأنتقاص او الأسائه او التقليل من شأن الوطن ككيان يمثل أعداد من البشر والمؤسسات والكيانات المختلفة ، ولعل هذا الشأن من أكثر الظواهر أيلاماً في الدراما العراقية لهذا العام، وهي ظاهر أنفردت بها الدراما العراقية عن بقية دول المنطقة، فالمتعارف علية الدراما هي من تبشر بسلوك المجتمعات وتعطي الأنطباع عن تاريخها وعن تطورها ،وتعمد أحيانا الدراما الى التغاضي عن القبحح او تجميلة من أجل أبهاج النفس ومن أجل الأمانه الجمالية التي هي من أولويات اي مختص في فن الدراما.
5- تقنياً وفنياً الأمر محزن حقاً، فالأخراج عموماً بحاجة الى أعادة نظر، بالرغم من الاستعانه بمخرجين عرب احيانا، واخرين من العراق،ولكنهم جميعا سقطوا في فخ (مدير التصوير) السوري الذي لايفوت على من يشاهد هذه الدراما أنه هو من يقود السفينه وليس المخرج. حيث الكوادار التي تصلح( للكليبات الرخيصة) وليس لدراما تلفزيونية فيها أنفعالات نفسية وفيها أحداث درامية تتطلب عمقا جماليا وفلسفة أخراجية تساهم في جذب المشاهد نحو العمل الدرامي وليس العكس وتعطي أجواء من الأقناع والصدقية التي يجب أن تغرسها مشاهد العمل الدرامي في نفس وصدر المُشاهد كي يستمر معها ويتقبلها..
6- التمثيل وهنا (تكمن العلةُ).. لا أدري لماذا يعتقد البعض أن التمثيل هو الصراخ الدائم والتحدث دون فهم معنى مايقول وتبنيه؟! و يعتقد أن التمثيل للدراما يحتمل التزيف والمغامرة الغير محسوبة؟ و مازل البعض يعتقد أن التمثيل هو فن العاطلين عن العمل؟ وهو لعبة الصدئَين ممن يتذكرون بعد مرور السنين أنهم تخرجوا من كلية او معهد الفنون الجميلة لضرورات وقتية وجاءو ليمثلوا وهم لايتذكرون من فن التمثيل سوى الاسم فقط ؟ وهل اصبح التمثيل هو لعبة السهرات الليلية ولعبة ارضاء هذا وذاك من أجل اشياء رخيصة؟!! ولماذا يعتقد البعض ان المواطن العراقي البسيط مازال جاهلا ولايعي من هو ممثل حقيقي ومن الذي يُهين نفسه؟ وهنا طبعا أذا أستثنينا بعض الطاقات الجيدة وهي شحيحة جدا .
ان فن الدراما هو (سلطة ثقافية) مهدورة لدينا، كون الدراما لدينا تهتم بالمضمون (الخطاب السياسي الساذج) وتتخلى عن الطريقة التي يعبر فيها النص الدرامي عن مضمونه ومغزاه واهدافة ،والتي هي حسب اعتقادي اهم وسيلة لصنع سيطرة تفاعلية على المجتمع الذي تنتج له هذه الدراما.