نسبه وموطنه
هو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن سروخ بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن ارفخشد بن سام (1) .
وهو من القبائل الآرامية التي عمرت بلاد النهرين ( أرام النهرين ) وتقع هذه المدينة في النصف الأعلى من مدينة كربلاء الحالية بين نهري فيشون ( الفرات القديم ) وجيحون ( كري سعده ) (2) .
كانت لغة إبراهيم الخليل عليه السلام هي لغة قبيلته الآرامية وينتسبون إلى ارم بن سام عليه السلام ، وبهذا يكون من مواليد العراق ، في مدينة النهرين (كربلاء) .
لقد نقله أبوه إلى مدينة بورسيبا (برس) لكي يجاور النمرود ويتعلم على الحكم واللغة النبطية ويكون قريب إلى معبد بورسيبا الذي كان اكبر المعابد في هذه المنطقة في تلك الفترة ، وقد اختلف الباحثون في مكان ولادته فمنهم من ذكر كوش ومنهم من ذكر أور ومنهم من ذكر آرام النهرين ، وكانوا يعتقدون إن مدينة آرام النهرين تقع في سوريا ، ولكن تمكن أستاذنا مهنا رباط من تحديدها وتعيين موقعها في شمال كربلاء (3) .
ذكر الطبري نسبه (4) وقال :-
(( وهو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغوا بن فالغ بن عابر بن شالخ بن قينان بن أرفخشد بن سام بن نوح )) .
أما ولادته فيضيف إلى ذلك (5) ويقول :-
(( أختلف في الموضع الذي كان منه والموضع الذي ولد فيه فقال بعضهم كان مولده بالسوس من أرض الأحواز وقال بعضهم كان مولده ببابل من ارض السواد ، وقال بعضهم كان مولده في الوركاء بناحية الزوابي وحدود كسكر ثم نقله أبوه إلى الموضع الذي كان به نمرود من ناحية كوثي ، وقال بعضهم كان مولده بحران ولكن أباه تارح نقله إلى ارض بابل ، وقال عامة السلف من أهل العلم كان مولد إبراهيم الخليل (ع) في عهد النمرود بن كوش وقد أرسله الله الى قوم النمرود الكافر ، وقد أجمع الناس على ثلاثة ملوك ( نمرود وذي القرنين وسليمان بن داود (ع) ) ، وقال بعضهم إن النمرود هو الضحاك نفسه .
وحدثت عن هشام بن محمد (6) وقال :-
(( بلغنا والله اعلم أن الضحاك هو النمرود وان إبراهيم خليل الرحمن ولد في زمانه وأنه صاحبه الذي أراد إحراقه )) .
وورد في القرآن الكريم أسم إبراهيم الخليل (( وأتخذ الله إبراهيم خليلا ))(7) .
وقد نسب المؤرخون العرب القبائل البائدة والقبائل الأسماعلية والقبائل الآرامية التي ينتمي إليها إبراهيم الخليل من أصل واحد ، فكانوا ينسبون العرب البائدة إلى ارم بن سام ويسمونهم بالا رمان ( ، أما اسمه فهو سرياني ومعناه بالعربية – أب رحيم وهو نبي الله وخليله – وجعله الله من أولي العزم وهو أبو الأنبياء ، وانزل الله عليه عشرون صحيفة ، وهو أول من أضاف الضيف وأختتن (9) .
وكان أخوه ناحور في بابل ولم يخرج فبقي فيها وتكاثر نسله ومنه ذي الكفل الذي يقع مقامه في ناحية الكفل الحالية ، جنوب بورسيبا ، وضمن طسوج الفلوجة السفلى (10) .
وذكر ف . م هلير (11) وقال :-
(( أن مدينة – أور – أسمها من أقصر الأسماء التي أعرفها فهو أسم لمكان صغير في ذلك القسم من بابل المسمى بلاد الكلدان ، ففي هذا المكان ومنذ حوالي 1900 سنة قبل الميلاد عاش رجل يدعى إبراهيم ، فقد كانت عنده قطعان كبيرة وكان غنيا رغم أنه لم يكن عنده مال ، فقد كانت عنده قطعان من الغنم والماعز وتلك كانت ثروته الرئيسية في ذلك الزمان ، وفي ذلك الزمان كان إبراهيم يؤمن باله واحد كما نؤمن نحن ، بينما كان جيرانه البابليون يعبدون الأصنام والأجرام السماوية كالشمس والقمر والنجوم ولهذا السبب لم يحب إبراهيم جيرانه ، وبادله جيرانه ذلك الكره لأنهم كانوا يعتقدون إن آراءه كانت غريبة ولا تصدر إلا عن المجانين ، وهكذا ففي حوالي 1900 ق.م أخذ إبراهيم عائلته وقطعانه ومواشيه وانتقل إلى ارض بعيدة جدا تدعى أرض كنعان واقعة على حافة البحر الأبيض المتوسط )) .
وقال أبن إسحاق (12) :-
استجاب لإبراهيم عليه السلام رجال من قومه فهم لوط بن هاران بن تارح ، وهاران أخو إبراهيم الخليل ، وأخيه الثالث ناحور بن تاريخ .
وتزوج إبراهيم الخليل ثلاثة نساء كل منهما :-
1- هاجر المصرية : ولدت له إسماعيل
2- سارة ابنة عمه : ولدت له إسحاق
3- قنطوراء : ولدت له ( مرق ونفس ومدن ومدين وسنان وسرح ، هؤلاء هم بني إبراهيم الخليل عليه السلام .
مولده وسيرته
ولد إبراهيم الخليل في القرن التاسع عشر قبل الميلاد أي قبل حوالي لأربعة ألاف سنة ، وقد حدد المسعودي (13) الفترة بين عهد إبراهيم الخليل وبين عهد موسى من مصر بخمس مئة وسبع وستين سنة ، ولما كان العلماء قد توصلوا إلى تعين زمن الخروج بالقرن الثالث عشر قبل الميلاد فيكون هذا التحديد مطابقا تماما لما توصل إليه العلماء بتعيين زمن إبراهيم الخليل في القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، ويتفق المؤرخون على إن مولده في العراق ، وقد جاء ذكر إبراهيم الخليل مقرونا بعهد الملك نمرود ، ولما نادى إبراهيم الخليل بعقيدة التوحيد بين قومه الوثنيين لاقى أنواع الاضطهاد والتعذيب خرج منها سالما (14) ، ثم دحر نمرود بينما سار إبراهيم الخليل وإتباعه إلى حوران ( حران حاليا ) ومنها إلى ارض كنعان ، وقد اجتاحت البلاد موجة من القحط والغلاء فانحدر إبراهيم هذه المرة إلى مصر (15) ، وقد وقع نزاع بين رعاة إبراهيم ورعاة لوط أدى إلى انفصالهما فاختار لوط أن يرحل إلى سهل الأردن حيث كان ( سدوم وعمورة ) (16) .
وتذكر التوراة أيضا أنه رزق في أخر أيامه أولاد من زوجته الأخيرة قطورة (16) ، ومات وعمره مئة وخمس وتسعون سنة ودفنه إسحاق وإسماعيل في حبرون في نفس المقبرة التي دفنت فيها سارة (17) .
ظهوره على مسرح الأحداث
وكان ظهور إبرام ( إبراهيم الخليل ) على مسرح الأحداث في بابل حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد داعيا إلى عبادة الإله الواحد ( الإله أيل ) (الله ) خالق السموات والأرض بين أبناء قومه الوثنيين ، فلاقى من جراء دعوته أشد الأضظهاد على يد النمرود في مدينة برس ، وبرس هي برس نمرود وهو الاسم المحرف من الاسم البابلي ( بورسيبا ) أو (بارسبا ) .
وجاءت في التلمود بصورة برسي وبرسيب ، وقد انتقلت هذه اللفظة إلى الجغرافيين العرب وذكرها ياقوت الحموي في معجمه في مادة برس (18) .
وتقع خرائب برس ( تل إبراهيم الخليل ) جنوب بابل ، وعن الحلة جنوبها – على نحو 9 – 10 أميال – كما تقع شرقي مدينة سورا – كربلاء- القديمة وقد كانت هذه المدينة من ضواحي بابل في بداية الإلف الثانية قبل الميلاد ، أي بعد تأسيس بابل وكذلك مدينة النهرين ، وكانت قرية كربلاء تابعة لها من الناحية الإدارية وقد اشتهرت هذه القرية في كونها مركز عبادة الإله الواحد ( الإله أيل ) (19) .
إما بورسيبا فكانت مركز عبادة الإله البابلي ( نبو ) الذي عبده العراقيين القدماء وعدوه اله الحكمة والمعرفة ابن مردوخ اله بابل الشهير وسمي معبده في بورسيبا بالاسم السومري ، ويوجد صرح برس لايزال مرتفعا رغم سقوط النصف الأعلى منه ، وهو برج كبير ومرتفع ، كما توجد تلال كثيرة تقع شرقه تسمى تلال إبراهيم الخليل (ع) ومزار بني حديثا على هذه التلال يعزى إلى كونه مقام إبراهيم الخليل ، وقد ضلت هذه المدينة مأهولة حتى العهد الإسلامي (20) ، كما ذكر ابن بطوطة إن مولده برس ومحاولة النمرود لحرق إبراهيم الخليل .
وقال أهل العلم لما شب إبراهيم الخليل (ع) وهو في السرب قال لامه من أبي ؟ قالت أنا ! قال فمن ربك ؟ قال أبوك ! قال فمن رب أبي ؟ قالت له نمرود ! قال فمن رب نمرود ؟ قالت له أسكت !! (21) .
هجرته
بعد محاولة حرقه في برس من قبل النمرود ، وملاحقته ، وملاقاته أشد العذاب والاضطهاد من قبل أبناء قومه الوثنيين الآراميين من جراء دعوته هذه إلى توحيد الآلهة ، أضطر إلى الهجرة هو وأتباعه فرحل من مدينة برس إلى مدينة النهرين ( ارام النهرين ) في كربلاء حيث مقر عشيرته ومنها هاجر عبر الفرات إلى مدينة حران وبلاد الشام بعد أن مكث في دمشق مدة من الزمن ، قيل أنه ملك فيها وثم رحل إلى أرض كنعان ، وأستمر في السكن في أرض كنعان حتى اجتاحت أرض كنعان موجة من القحط والغلاء ، مما أضطر أن يرحل عنها إلى مصر وأقام فيها فترة فصار له ثروة كبيرة ثم غادر مرة أخرى إلى أرض كنعان وأقام في جبرون ( الخليل حاليا ) (22) ، وورد في قصص الأنبياء (23) عن ابن إسحاق وقال :-
(( خرج إبراهيم الخليل (ع) من كوثا من أرض العراق مهاجر إلى ربه عز وجل وخرج معه لوط وسارة عليها السلام ، فخرج حتى نزل حران ، فمكث بها ثم خرج إلى مصر ثم خرج من مصر إلى الشام فنزل السبع في ارض كنعان وهي برية الشام )) .
وقال أهل العلم (24) :-
فلما خرج إبراهيم الخليل (ع) من كوثا من أرض العراق مهاجر إلى ربه عز وجل خرج معه لوط (ع) ، وسارة بعد إن تزوجها وهي ابنة عمه ، وخرج بهما يتلمس الفرار بدينه والأمان على عبادته لربه حتى مكث في حران ومنها إلى مصر وبها فرعون من الفراعنة الأولى ، ثم وهب إلى إبراهيم هاجر وهي جارية ورزق الله منها ولدا سمي بإسماعيل ، ثم حملت سارة وولدت بإسحاق .
فقد غضبت سارة ابنة عمه من هاجر عندما ولدت إسماعيل ثم أمر الله أن يسكنها وأبنها في مكة فذهب بها إبراهيم حتى قدم مكة ، وكان فيها ناس يقال لهم العماليق وموضع البيت ربوة حمراء ، وكبر إسماعيل وماتت هاجر وتزوج إسماعيل من جرهم ، وأخذ لسانهم فتعرب بهم وأولاده العرب المتعربة ثم تزوج إسماعيل مرة أخرى بأمراة من جرهم يقال لها السيدة بنت مضاض بن عمر الجر همي .
الطريق الذي سلكه إبراهيم الخليل
يتفق الخبراء على إن إبراهيم الخليل سلك طريق الفرات في رحلته من أور إلى حران ، وهو الطريق الذي كانت تسلكه القوافل ، وكانت مع إبراهيم الخليل جماعته وممتلكاته من قطعان الأغنام والمعز والحمير والجمال ، ومعه لوطا أيضا فيكون قد قطع في هذه الرحلة 560 ميلا بين أور وحران ، وبعدها غادر حران متوجها إلى دمشق بطريق تدمر ومنه إلى فلسطين قاطعا مسافة حوالي 600 ميل أخرى من حران إلى كنعان ، أما الطريق الذي سلكه إلى مصر فهو اختراق صحراء شبه جزيرة سيناء حيث القبائل الميدانية والقينية (25) .
أن إبراهيم الخليل (ع) قد سلك الفرات القديم (فرات كربلاء ) وعلى الضفة اليمنى لهذا النهر ، حيث كان لوط (ع) جنوب مدينة سورا ومنها إلى كربلاء حتى وصل شريعة الصليب وكربلاء القديمة التي تبعد عن بحيرة الرزازة حوالي عشرة كيلومترات وثم أرتفع مع الفرات حتى الفلوجة ومنها إلى حران (26) .
وذكر المسعودي (27) وقال :-
(( خرج إبراهيم ومعه ابن أخيه لوط بن هارون ، ومعه ابنة عمه سارة ، من حران إلى الشام ، فوجدوا جوعا عظيما ، فسار إلى مصر ، وفرعونا إذ ذاك ، سنان بن علوان وأقاموا بها ثلاث أشهر ورجعوا إلى الشام وقد أهدى سنان فرعون مصر هاجر ، فنزلوا المسبع من ارض فلسطين وفارقه لوط وسكن سدوم ، ثم تحول إبراهيم ونزل بين الرملة والياء ، فلما بلغ إبراهيم خمسا وثمانين سنة ، وهب له سارة جاريتها هاجر إلى إبراهيم الخليل ، فولدت منه إسماعيل ، وله ست وثمانون سنة ، وأختين وله تسع وتسعون سنة ، ثم اختتن ابنه إسماعيل وبعد ولادة إسماعيل ولدت زوجته سارة ابنة عمه ولدا أسمته إسحاق وكان عمر إبراهيم مائة سنة ، وكان إبراهيم الخليل وابنة عمه سارة آراميان ثم انزل الله عليه عشر صحائف ، ومات إبراهيم الخليل وله مائة وخمس وسبعون سنة وماتت سارة ولها مائة وتسع وعشرون سنة ، ودفن في مزرعة جبرون من ارض الشام ... وقيل غير ذلك والله أعلم .